انتخابات ألمانيا.. اختبار حاسم لمدى نفوذ ترامب في أوروبا

انتخابات ألمانيا.. اختبار حاسم لمدى نفوذ ترامب في أوروبا
ماري ديجيفسكي

ظنت أوروبا أنها ستكون أكثر استعداداً لرئاسة دونالد ترامب في ولايته الثانية، لكنها كانت تجهل تماماً الإعصار الذي يقترب من الشرق؛ فمنذ دخوله البيت الأبيض، مارس ترامب السلطة بأسلوب مربك وسريع الإيقاع، مما أثار قلق النخب الأوروبية والبريطانية، وفي الوقت نفسه منح اليمين السياسي -اليمين الحقيقي، لا نسخته الليبرالية الأوروبية- زخماً جديداً.

ليس عليك سوى النظر إلى الاجتماع اليميني الذي مثله مؤتمر تحالف المواطنة المسؤولة (ARC) في لندن هذا الأسبوع.. اليمين قوة سياسية صاعدة وقد تستمر في النمو طالما بقي ترامب في السلطة وطالما استمر نهجه.

لكن ماذا عن أوروبا القارية؟ هل يمكن أن يكون ترامب غيَّر الديناميكيات السياسية هناك أيضاً إلى حد أن يصبح اليمين هو القوة المهيمنة هناك؟ إلى حد ما تعكس الآراء المطروحة في مؤتمر تحالف المواطنة المسؤولة ثقافات أو أفكاراً مرتبطة بالمجتمعات الأنغلو ساكسونية، لكن يمكن القول أيضاً إنه في كثير من أنحاء أوروبا بدأ هذا النوع من التفكير السياسي يظهر بصورة متزايدة، وقد يصبح قريباً واقعاً في معظم الدول الأوروبية.

كان اليمين بدأ في التوسع بنجاح عبر أوروبا قبل فترة طويلة من عودة ترامب بنسخته الثانية. فقد فازت جورجيا ميلوني بالسلطة في إيطاليا عام 2022، وهناك حكومات يمينية شعبوية رائجة في كل من المجر وسلوفاكيا والنمسا الآن، وكان من الممكن أن تكون هناك حكومة مشابهة في رومانيا لولا إلغاء الانتخابات. وتصدر حزب الحرية اليميني المتطرف في هولندا استطلاعات الرأي عام 2023 وهو الآن جزء من ائتلاف يضم أربعة أحزاب. 

أما حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، فهو المعارضة الرئيسة في عدة مناطق داخل ألمانيا بعد أن تصدر استطلاعات الرأي العام الماضي، بينما يعد "التجمع الوطني" بقيادة مارين لوبن المعارضة الرئيسة في البرلمان الفرنسي بعد انتخابات الصيف الماضي التي دعا إليها إيمانويل ماكرون في خطوة غير مدروسة.

لكن لا يزال هناك عائق كبير أمام وصول الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة في فرنسا وألمانيا، وهو ما يمكن تبريره ضمن سياق تاريخي. فقد أحجم الناخبون في فرنسا مراراً عن انتخاب رئيس أو برلمان يميني متطرف على رغم اقترابهم من ذلك، وفي تلك المناطق الألمانية التي تصدر فيها حزب البديل من أجل ألمانيا استطلاعات الرأي، تواجه هذه المناطق رفض الناخبين على نطاق أوسع، تزامناً مع انطلاق احتجاجات ضخمة تحت شعار "لن يحدث ذلك مرة أخرى" في عطلة نهاية كل أسبوع. فهل يمكن أن يكون لترامب أي تأثير في تغيير ذلك؟ قد نحصل على إجابة مبدئية عن ذلك خلال وقت مبكر من ليلة غد الأحد.

بمحض الصدفة، كانت أولى تجليات السياسات الترامبية قد ظهرت على الشواطئ الشرقية للمحيط الأطلسي قبل أقل من أسبوعين من انطلاق الانتخابات الفيدرالية الألمانية المقررة يوم الأحد الـ23 من فبراير (شباط) الجاري، ومع بلوغ الحملة ذروتها. 

وكانت الرسالة الأولى التي سُمعت هي أنه بالإمكان استخدام السلطة التنفيذية، وبسرعة، للعمل على الحد من الهجرة وخفض الهدر الحكومي وحماية الصناعات المحلية. وكان صدى هذه الرسالة واضحاً في الإعلانات الدعائية عبر مختلف التوجهات السياسية (في ألمانيا).

لكن الأمور الجدية بدأت عندما أخبر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أوروبا بصورة لا لبس فيها أن الإدارة الأميركية الجديدة لديها أولويات جديدة، وأوروبا ليست واحدة منها. 

وأضاف أيضاً أن على الحرب في أوكرانيا أن تنتهي. وفي غضون ساعات، كان نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس قدم للنخبة الأوروبية المجتمعة في ميونيخ درساً في القيم المحافظة ورؤية ترامب للعالم.

وكان الأثر الأولي على الحملة الانتخابية في ألمانيا هو الصدمة والذهول. فقد ظل التيار السياسي السائد لفترة طويلة يعد مظلة حلف "ناتو" المدعومة من الولايات المتحدة أمراً مفروغاً منه، في حين لم يجرؤ أقصى اليسار واليمين -اللذان كانا يطالبان بإنهاء الحرب في أوكرانيا والتقارب مع روسيا- على استخدام اسم ترامب من بين كل الشخصيات لدعم أجنداتهم.

خلال ساعات المناظرات الانتخابية والمقابلات واستطلاعات الرأي العفوية التي سيطرت على وسائل الإعلام مع اقتراب الحملة من نهايتها، بالكاد غيّر المرشحون الرئيسون خطابهم ليتماشى مع الواقع الجديد. وبدلاً من ذلك تُركت الحكومة المنتهية ولايتها تحاول يائسة إيجاد رد يحافظ على فرصها الانتخابية الضعيفة بالفعل. وهكذا، رأينا المستشار أولاف شولتز يختلف مع كير ستارمر داخل المملكة المتحدة في شأن مدى حكمة إرسال قوات إلى أوكرانيا، وشهدنا قبل ثلاثة أيام فقط من التصويت المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع بوريس بيستوريوس (الذي قد يكون خليفة شولتز في زعامة الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، إذ كشف عن خطط لإنفاق عسكري جديد.

وفيما كان بيستوريوس يلقي كلمته، عرضت القنوات الإخبارية الألمانية عنواناً بارزاً "انهيار أرباح مرسيدس، التوقعات متشائمة"، وهو ما لخص المزاج العام بدقة. وكان التأثير التراكمي للجائحة وتقليص واردات الغاز الروسي وارتفاع الأسعار في كل المجالات واضحاً للغاية خلال رحلاتي عبر المناطق الشرقية خلال الخريف الماضي، وأصبح أكثر وضوحاً الآن في المدن: برلين المغطاة بالثلوج وهامبورغ الكئيبة. شوارع متسخة وخدمة سيئة وقطارات لا تلتزم بالمواعيد وسكن بأسعار خيالية، وانفجار في معدلات التشرد.. المملكة المتحدة ليست وحدها في معاناتها. لا عجب إذاً أن تشير استطلاعات الرأي إلى أن الألمان سيصوتون من أجل التغيير.


*نقلاً عن صحيفة «إندبندنت عربية»



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية